قال الله تعالى في كتابه الحكيم {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وقال تعالى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} كلنا نعلم من تفسير هذه الآية الكريمة ومن سياقها، أن الله سبحانه قرن عبادته بـ"و" العطف بالإحسان للوالدين. ومما هو معلومٌ لنا ومن البديهيات، أنه لا يجوز قرن أي شيئ مع الله سبحانه وتعالى، فمثلاً لا يجوز أن تقول لولا الله وفلان، فهذا يعتبر شركاً، ولكن نقول لولا الله ثم فلان. والكن الله جلَّ وعلا قرن بـ "و" العطف عبادته بالإحسان إلى الوالدين، ولمن يبحث سيجد أنه لم يقترن شيئ آخر بـ "و" العطف مع عبادة الله وعدم الإشراك به إلا الإحسان للوالدين، هذا الموضوع خصوصاً لم يندرج تحت الشرك بالله حتى مع وضع "و" العطف، فالله سبحانه وتعالى هو مصدر التشريع وهو من قرن عبادته بالإحسان للوالدين.
ويكون الإحسان إليهم بالقول والفعل والمال. فأما الإحسان إليهما بالقول، هو أن يكون كلامه معهما أو مع أحدهما كلاماً ليِّنا لطيفاً، يخلو من أي عيبٍ أو تجريح، وقد قال سبحانه وتعالى (ولا تقل لهما أُفِّ)، حتى هذه الكلمة البسيطة ممنوعٌ علينا بني البشر أن نخاطب بها آباءنا. وأما الإحسان بالفعل، فهو أن يبذل كل ما في وسعه من مجهود بدني على خدمتهما وراحتهما، والعمل على قضاء حوائجهما. وأما الإحسان بالمال، فهو ألا يدَّخر وسعاً في بذل النفيس لإرضائهما ويبذل لهما كل ما تشتهيه أنفسهما ولا يجد في نفسه حرجاً أو ثقلا لما يقدمه لهما.
لا يظنَّن احدٌ أن ما يفعله وما يقدِّمه من إحسانٍ لوالديه هو من جميل صنعه، ولو كانت هذه النظرة موجودة؛ فانتظر حتى نرى أطفالك وعندها أخبرني، هل أنت من يُقدِّم المعروف أم أنت ترد ما عليك؟ هذا إن استطعت أن تَرُدَّ ما عليك ولو عُشْرُه لأحدهما. ولا يقول أحدٌ - وهذا من واقع خبرة شخصية - لقد كبُرتُ بعلاً، أي لوحدي وبنفسي دون معاونة والديّ. ونفس هذا الشخص عندما طُلِبَ منه ترك أطفاله وعدم الإهتمام بهم، انتفخت أوداجه واحمرَّ وجهه من الغضب وثار قائلاً (ومن لهم ليعيشوا ويكبروا) فكان الردُّ من والدته (دعهم يكبرون بعلاً كما كبُرتَ أنت بعلاً).
لن تعرفوا قيمة الوالِدَين حتى تصبح عزيزي الرجل والداً، وتصبحين عزيزتي الفتاة أمَّاً، حينها ستدركون كم كنتم مجحفين بحقِّ والديكم، وكم كنتم ظالمين لهم ومقصِّرين بحقوقهم. كيف أنكم كنت تعتبرونهم ألدَّ أعدائكم؛ في حين كان مبلغ طموحهم أن تصبحوا أفضل مما هم عليه الآن. لو كنت تتذكّر لعرفت أن ملابسك كانت تتغير كاملة كل شهر، وأباك يبقى بنفس الملابس من السنة للأخرى. كنت تلبس كل شهرٍ حذاءاً، وأنا والله ما زلت أذكر حذاء أبي؛ الذي كان في قاعه فتحة أكبر من حجم عملة الخمسة قروش، وأذكر كيف كان يتجنب أن يضع رِجلاً فوق الأخرى؛ حتى لا يرى الناس اهتراءها.
وكلنا يعلم العديد من القصص عن برِّ الوالدين مثل قصة أويس القرني رضي الله عنه، ولكننا هُنا لسنا في صدد حكاية القصص ولا سرد الحكايا عن هذا الموضوع العظيم. فمن لم يقدم لوالديه أو احدهما كامل حقوقه؛ فلن تستطيع كل قصص الدنيا على مر الأزمان أن تغير فيه مقدار أُنملة. يكفيك عزيزي أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال (البرُّ دَيْن). فانظر ما تستدينه اليوم، لأنك ستُسدِّد ما عليك غداً، وإن غداً لناظره قريب.
المقالات المتعلقة بما فضل بر الوالدين